فصل: قُرعَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


قُرعَة

التعريف

1 - القرعة في اللّغة‏:‏ السّهمة والنصيب، والمقارعة‏:‏ المساهمة، وأقرعت بين الشّركاء في شيء يقسمونه، ويقال‏:‏ كانت له القرعة، إذا قرع أصحابه، وقارعه فقرعه يقرعه‏:‏ أي أصابته القرعة دونه، وتستعمل في معان أخرى غير ما تقدم‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، قال البركتيّ‏:‏ القرعة السهم والنصيب، وإلقاء القرعة‏:‏ حيلة يتعين بها سهم الإنسان أي نصيبه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القسمة‏:‏

2 - القسمة في اللّغة من قسمته قسماً أي فرزته أجزاءً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ تمييز الحصص بعضها من بعض‏.‏

والصّلة بين القسمة والقرعة أن القرعة طريق من طرق القسمة، والقرعة نوع من أنواع القسمة عند المالكية‏.‏

الحكم التكليفيّ

3 - القرعة مشروعة باتّفاق الفقهاء، وقد تكون مباحةً أو مندوبةً أو واجبةً أو مكروهةً أو محرمةً في أحوال سيأتي بيانها‏.‏

ودليل مشروعيتها الكتاب والسّنة‏.‏

فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالى ‏{‏وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏، أي يحضنها فاقترعوا عليها‏.‏ وقال تعالى ‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ‏}‏‏.‏

عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ قوله‏{‏فَسَاهَمَ‏}‏ يقول‏:‏ ‏"‏أقرع ‏"‏‏.‏

وأما مشروعيتها من السّنة المطهرة فحديث أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ «عرض النبيّ صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيّهم يحلف»‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه»‏.‏

الحكمة من مشروعيتها

4 - قال المرغينانيّ‏:‏ القرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل حتى لو عين القاضي لكلّ منهم نصيباً من غير إقراع جاز لأنه في القضاء فيملك الإلزام‏.‏

وجاء في تكملة فتح القدير‏:‏ ‏"‏ألا يرى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ‏}‏، وذلك لأنه علم أنه هو المقصود ولكن لو ألقى بنفسه في الماء ربما نُسب إلى ما لا يليق بالأنبياء فاستعمل القرعة لذلك، وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضمّ مريم إلى نفسه مع علمه بكونه أحق بها منهم لكون خالتها عنده تطييباً لقلوبهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً تطييباً لقلوبهن»‏.‏

كيفية إجراء القرعة

5 - للقرعة عند الفقهاء طريقتان‏:‏

الأولى‏:‏ كتابة أسماء الشّركاء في رقاع‏.‏

والثانية‏:‏ كتابة أجزاء المقسوم في رقاع، وقد شرط المالكية لإجراء الطريقة الثانية أن تكون الأنصباء متساويةً فإن اختلفت فتجوز في العروض خاصةً‏.‏

وقد أجاز كلّ من الشافعية والحنابلة إجراءها في الصّورتين إلا أن طريقة كتابة الأسماء أولى عند الشافعية‏.‏

ما تجري فيه القرعة

6 - تجري القرعة في مواضع منها‏:‏

الأول‏:‏ في تمييز المستحقّ إذا ثبت الاستحقاق ابتداءً لمبهم غير معين عند تساوي المستحقّين، كمن أوصى بعتق عدة أعبد من ماله ولم يسع ثلثه عتق جميعهم، وفي الحاضنات إذا كن في درجة واحدة، وكذا في ابتداء القسم بين الزوجات عند من يقول به لاستوائهن في الحقّ فوجبت القرعة لأنها مرجّحة‏.‏

الثاني‏:‏ في تمييز المستحقّ المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطّلاع عليه، سواء في ذلك الأموال والأبضاع عند من يقول بجريان القرعة في الأبضاع‏.‏

الثالث‏:‏ في تمييز الأملاك‏.‏

وقيل‏:‏ إنه لم يأت إلا في ثلاث صور‏:‏

أحدها‏:‏ الإقراع بين العبيد إذا لم يف الثّلث بهم‏.‏

وثانيها‏:‏ الإقراع بين الشّركاء عند تعديل السّهام في القسمة‏.‏

وثالثها‏:‏ عند تعارض البيّنتين عند من يقول بذلك‏.‏

الرابع‏:‏ في حقوق الاختصاصات كالتزاحم على الصفّ الأول، وفي إحياء الموات‏.‏

الخامس‏:‏ في حقوق الولايات كما إذا تنازع الإمامة العظمى اثنان وتكافآ في صفات الترجيح قدّم أحدهما بالقرعة، وكاجتماع الأولياء في النّكاح، والورثة في استيفاء القصاص فتجري بينهم القرعة لترجيح أحدهم‏.‏

ما لا تجري فيه القرعة

7 - إذا تعينت المصلحة أو الحقّ في جهة فلا يجوز الإقراع بينه وبين غيره‏;‏ لأن القرعة ضياع ذلك الحقّ المعين والمصلحة المتعيّنة، وعلى ذلك فلا تجري القرعة فيما يكال أو يوزن واتفقت صفته، وإنما يقسم كيلاً أو وزناً لا قرعةً‏;‏ لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا وجه لدخولها فيهما، وهذا ما ذهب إليه المالكية، خلافاً للشافعية والحنابلة‏.‏

ومما لا تجري فيه القرعة الأبضاع عند الشافعية وقول عند الحنابلة، ولا في لحاق النسب عند الاشتباه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهر من مذهب الحنابلة، ولا في تعيين الواجب المبهم من العبادات ونحوها ابتداءً عند الشافعية والحنابلة، ولا في الطلاق عند الشافعية‏.‏

إجبار الشّركاء على قسمة القرعة

8 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القسمة إذا تمت عن طريق قاسم من قبل القاضي بالقرعة كانت ملزمةً وليس لبعضهم الإباء بعد خروج بعض السّهام‏.‏

وعند الحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية أنه إن كان القاسم مختاراً من جهتهم، فإن كان عدلاً كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، وإن لم يكن عدلاً لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما، والأظهر عند الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة في حالة ما إذا كان القاسم مختاراً من قبلهما وهو المعتمد‏.‏

وذهب المالكية إلى أن قسمة القرعة يجبر عليها كلّ من الشّركاء الآبين إذا طلبها البعض إن انتفع كلّ من الآبين وغيرهم انتفاعاً تامّاً عرفاً بما يراد له كبيت السّكنى، ومفهوم الشرط أنه إذا لم ينتفع كلّ انتفاعاً تامّاً لا يجبر‏.‏

القرعة في معرفة الأحقّ بغسل الميّت

9 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأحق في غسل الميّت أقاربه، فإن استووا كالإخوة والأعمام المستوين والزوجات ولا مرجّح بينهم فالتقديم بقرعة، فمن خرجت له القرعة قدّم لعدم المرجّح سواها‏.‏

القرعة في تقديم الأحقّ بالإمامة في الصلوات وصلاة الجنازة

10 - ذهب الفقهاء إلى أنه إذا استوى اثنان فأكثر في الصّفات التي يقدم بها للإمامة أقرع بينهم عند التنازع‏.‏

والتفاضل بينهم ينظر في مصطلح ‏(‏إمامة الصلاة ف /14 - 18‏)‏ وانظر مصطلح ‏(‏جنائز ف /41‏)‏‏.‏

القرعة بين الزوجات في السفر

11 - ذهب الحنفية والمالكية في قول إلى أنه إذا أراد الزوج السفر فله اختيار من يشاء من زوجاته، ولا تجب عليه القرعة إلا أن الحنفية استحبّوا القرعة تطييباً لقلوبهن‏.‏

وأوجب المالكية القرعة بين الزوجات في سفر القربة كالغزو والحجّ في المشهور عندهم‏;‏ لأن المشاحة تعظم في سفر القربة‏.‏

وفي قول آخر عند المالكية أن القرعة تجب مطلقاً‏.‏

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القرعة في السفر بين الزوجات واجبة سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وفي قول للشافعية إذا كان السفر قصيراً فلا تجب ولا يستصحب لأنه كالإقامة‏.‏ وللتفصيل انظر مصطلح ‏(‏قسم بين الزوجات‏)‏‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ إن الزوج إذا سافر لنقلة حرم أن يستصحب بعض زوجاته بقرعة أو بدونها وأن يخلفهن حذراً من الإضرار بهن، بل ينقلهن أو يطلّقهن‏.‏

القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت

12 - ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية في قول إلى وجوب القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت‏;‏ لأن البداءة بإحداهن تفضيل لها والتسوية واجبة‏.‏

وذهب ابن المواز من المالكية إلى استحباب القرعة بينهن في الابتداء‏.‏

وأما الحنفية ومالك فلا يرون القرعة، وللزوج أن يختار من يبتدئ بها‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏قسم بين الزوجات‏)‏‏.‏

القرعة في الطلاق

13 - إذا كان لشخص أكثر من زوجة، فطلق واحدةً لا بعينها، بأن قال‏:‏ إحداكن طالق، فإن نوى واحدةً بعينها تعينت باتّفاق الفقهاء‏.‏

وإن لم ينو واحدةً بعينها، فذهب الحنفية والمالكية في قول إلى أنه يصرف الطلاق إلى أيتهن شاء‏.‏

ذهب المالكية في القول الثاني إلى طلاق الجميع، وقال الشافعية‏:‏ يلزمه التعيين، فإن امتنع حبس وعزّر، وقال الحنابلة‏:‏ يقرع بينهن‏.‏

واستدل الحنفية والشافعية بأن الزوج يملك إيقاع الطلاق ابتداءً وتعيينه، فإذا أوقعه ولم يعيّن ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملك‏.‏

واستدل الحنابلة بما روي عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهم من قولهما في القرعة ولا مخالف لهما من الصحابة‏;‏ ولأن الطلاق إزالة ملك بُني على التغليب والسّراية فتدخله القرعة كالعتق، وقد ثبت الأصل بكون النبيّ صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد السّتة، كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه‏:‏ «أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وَأَرَقَّ أربعةً، وقال له قولاً شديداً»‏.‏

ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة‏.‏

وإذا مات الزوج قبل القرعة والتعيين، أقرع الورثة بينهن، فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق‏.‏

وإذا طلق واحدةً من نسائه وأنسيها تخرج بالقرعة عند الحنابلة، أما عند جمهور الفقهاء فعلى التفصيل السابق ذكره‏.‏

القرعة في الحضانة

14 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا تساوى اثنان فأكثر في استحقاق الحضانة أقرع بينهم على اختلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏حضانة ف /10 - 14‏)‏‏.‏

القرعة في الموصى بعتقهم

15 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من أعتق في مرض موته عبيداً أو أوصى بعتقهم، ولم يجز الورثة ذلك، ولم يتسع الثّلث لعتقهم أقرع بينهم وأعتق منهم ما يخرج من الثّلث، وذلك لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه‏.‏

القرعة في العطاء والغنيمة

16 - نص الشافعية على القرعة في الغنيمة في مواضع منها‏:‏

أ - ما نقله النوويّ عن الماورديّ فيمن يقدم - عند العطاء - فقال‏:‏ يقدم بالسابقة في الإسلام، فإن تقاربا فيه قدّم بالدّين، فإن تقاربا فيه قدّم بالسّنّ، فإن تقاربا فيه قدّم بالشجاعة، فإن تقاربا فيه فوليّ الأمر بالخيار بين أن يرتّبهم بالقرعة، أو برأيهم أو اجتهاده‏.‏

ب - وفي قسمة الغنيمة حيث يخرج منها السلب، والمؤن اللازمة للأجور والحفظ وغيرها، ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية يجرى فيها القرعة لإخراج سهم لله تعالى أو المصالح‏.‏

القرعة عند تعارض البيّنتين

17 - تعارض البيّنتين له صور عديدة كما يلي‏:‏

أولاً‏:‏ إذا ادعى شخصان عيناً بيد ثالث، وأقام كلّ منهما بيّنةً على دعواه، مطلقتي التاريخ أو متفقتين، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة، والحال أن الحائز للعين لم يقر بها لواحد منهما، فللفقهاء أقوال‏:‏

فذهب الحنفية والمالكية إلى أن هذه العين تقسم بين المدعيين، إلا أنها تقسم نصفين عند الحنفية وأشهب من المالكية، وهو أحد الأقوال المبنية على رأي ضعيف عند الشافعية، وتقسم على قدر الدعوى - لا نصفين - على الراجح من مذهب المالكية، وهو رأي ابن القاسم‏.‏ وذهب الشافعية وهو المذهب عندهم إلى أن البيّنتين سقطتا ويصار إلى التحالف، فيحلف كلّ منهما يميناً، فإن رضيا بيمين واحد فالأصحّ المنع خلافًا لجزم الإمام بالجواز، وإن رجحه السّبكيّ‏.‏

وذهب الشافعية في القول الثاني وهو رواية عند الحنابلة إلى أن البيّنتين تستعملان صيانةً لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان، وينبني على الاستعمال ثلاثة أقوال عند الشافعية، وروايتان عند الحنابلة إجمالها فيما يلي‏:‏

أ - تقسم العين بينهما نصفين، وهو إحدى الرّوايتين عند الحنابلة وأحد الأقوال الثلاثة السابقة عند الشافعية، وهو قول الحارث العكليّ، وقتادة، وابن شبرمة، وحماد‏.‏

ب - أنه يقرع بين المدعيين وترجح من خرجت قرعته، وهذا ثاني الأقوال الثلاثة المبنية على الاستعمال عند الشافعية، وكذلك الرّواية الثانية المبنية على رواية الاستعمال عند الحنابلة، وهل يحتاج معها إلى يمين‏؟‏ قولان أحدهما‏:‏ لا، والقرعة مرجّحة لبيّنته، والثاني‏:‏ نعم، والقرعة تجعل أحدهما أحق باليمين فعلى هذا يحلف من خرجت قرعته أن شهوده شهدوا بالحقّ ثم يقضى له‏.‏

ج - توقف العين بينهما حتى يتبين الأمر فيها أو يصطلحا على شيء، وهو ثالث الأقوال المبنية على الاستعمال عند الشافعية، وهو قول أبي ثور لأنه أشكل الحال بينهما فيما يرجى انكشافه فيوقف، كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان فإنه يوقف الميراث، ولم يرجّح النوويّ شيئاً ولكن قضية كلام الجمهور ترجيح الوقف‏.‏

وذهب الحنابلة في إحدى الرّوايتين إلى سقوط البيّنتين ويقترع المدعيان على اليمين كما لو لم تكن بيّنة، وهذا ما ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقيّ، وقد روي هذا عن ابن عمر، وابن الزّبير رضي الله عنهم، وبه قال إسحاق وأبو عبيد‏.‏

ثانياً‏:‏ وإن كانت العين بيدهما وأقام كلّ بيّنةً على ملكيته لها، وتساوت البيّنتان فالحنفية والمالكية يجعلون هذه الصّورة كالصّورة السابقة، وكذلك الشافعية ما عدا قولي الوقف والقرعة، إذ يرون بقاء يد كلّ على ما تحت يده من العين بعد تساقط البيّنتين، ولا يجيء الوقف إذ لا معنى له، وفي القرعة وجهان‏.‏

وكذلك الحنابلة في الرّواية الراجحة عندهم مع زيادة أن لكلّ واحد منهما اليمين على صاحبه في النّصف المحكوم له به‏.‏

وذكر أبو الخطاب في المسألة روايةً أخرى أنه يقرع بينهما، فمن خرجت قرعته حلف أنها لا حق للآخر فيها، وكانت اليمين له كما لو كانت في يد غيرهما، وقال‏:‏ والأول أصحّ للخبر‏.‏

ثالثاً‏:‏ وإذا كان أحد المدعيين يطالب بكلّ العين والآخر بنصفها، وأقام كلّ بيّنةً على طبق دعواه، والحال أن العين بيد شخص ثالث، فالمالكية على رأيهم السابق‏:‏ بأن تقسم بقدر دعوى كلّ على الراجح من المذهب، بينما يذهب الحنابلة إلى أن النّصف لصاحب الكلّ لا منازع له فيه ويقرع بينهما في النّصف الآخر، فمن خرجت له القرعة حلف وكان له، وإن كان لكلّ واحد بيّنة تعارضتا وسقطتا وصارا كمن لا بيّنة لهما وإن قلنا‏:‏ تستعمل البيّنتان أقرع بينهما وقدّم من تقع له القرعة في أحد الوجهين، والثاني‏:‏ يقسم النّصف المختلف فيه بينهما فيصير لمدعي الكلّ ثلاثة أرباعها، وإلى مثل قولي الحنابلة يذهب الشافعية بينما يتفق الحنفية مع القول الثاني للحنابلة‏.‏

رابعاً‏:‏ وإذا كانت العين بين ثلاثة ادعى أحدهم جميعها، وادعى الآخر نصفها، والآخر ثلثها، ولا بيّنة لهم‏.‏‏.‏‏.‏ والحال أن العين بيد غيرهم، ولم يقر بها لواحد منهم، فالمالكية على رأيهم السابق بأن تقسم العين بقدر دعوى كلّ على الراجح، بينما يذهب الحنابلة إلى إعطاء النّصف لمدعي الكلّ لأنه ليس منهم من يدعيه، ويقرع بينهم في النّصف الباقي، فإن خرجت القرعة لصاحب الكلّ أو لصاحب النّصف حلف وأخذه، وإن خرجت لصاحب الثّلث حلف وأخذ الثّلث، ثم يقرع بين الآخرين في السّدس فمن خرجت القرعة له حلف وأخذه‏.‏

وإن أقام كلّ واحد منهم بيّنةً بما ادعاه‏:‏ فالمالكية والحنفية على رأيهم السابق، والحنابلة يجعلون النّصف لمدعي الكلّ لما ذكرنا، والسّدس الزائد يتنازعه مدعي الكلّ ومدعي النّصف، والثّلث يدعيه الثلاثة وقد تعارضت البيّنات فيه، فإن قلنا‏:‏ تسقط البيّنات أقرعنا بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه، فمن خرجت القرعة له حلف وأخذه، ويكون الحكم فيه كما لو لم تكن لهم بيّنة، وهذا قول أبي عبيد‏.‏

خامساً‏:‏ وإن كانت الدار بين أربعة فادعى أحدهم جميعها والثاني ثلثيها، والثالث نصفها، والرابع ثلثها‏.‏‏.‏‏.‏ والدار في يد خامس لا يدعيها ولا بيّنة لواحد منهم بما ادعاه‏:‏ فالثّلث لمدعي الكلّ لأن أحداً لا ينازعه فيه ويقرع بينهم في الباقي، فإن خرجت القرعة لصاحب الكلّ أو لمدعي الثّلثين أخذه، وإن وقعت لمدعي النّصف أخذه وأقرع بين الثلاثة في الثّلث الباقي، وهذا قول أبي عبيد والشافعيّ إذ كان بالعراق، إلا أنهم عبروا عنه بعبارة أخرى، فقالوا‏:‏ لمدعي الكلّ الثّلث ويقرع بينه وبين مدعي الثّلثين في السّدس الزائد عن النّصف، ثم يقرع بينهما وبين مدعي النّصف في السّدس الزائد عن الثّلث، ثم يقرع بين الأربعة في الثّلث الباقي، ويكون الإقراع في ثلاثة مواضع، وعلى الرّواية الأخرى الثّلث لمدعي الكلّ، ويقسم الزائد عن النّصف بينه وبين مدعي الثّلثين، ثم يقسم السّدس الزائد عن الثّلث بينهما وبين مدعي النّصف أثلاثاً، ثم يقسم الثّلث الباقي بين الأربعة أرباعاً‏.‏

ويتفق الشافعية مع الحنابلة في هذه الصّورة مع فارق واحد، وهو أن فرض المسألة عند الحنابلة أنه لا بيّنة لواحد منهم بما ادعاه، بينما فرضها عند الشافعية قيام بيّنة لكلّ واحد على دعواه‏.‏

سادساً‏:‏ نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والآخر بعشرين، ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من ثوب هذا، فادعى أحدهما ثوباً من هذين الثوبين، يعني وادعاه الآخر، يقرع بينهما فأيّهما أصابته القرعة حلف وكان الثوب الجيّد له، والآخر للآخر، وإنما قال ذلك لأنهما تنازعا عيناً في يد غيرهما‏.‏

سابعاً‏:‏ إذا تداعيا عيناً فقال كلّ واحد منهما‏:‏ هذه العين لي اشتريتها من زيد بمائة ونقدته إياها، ولا بيّنة لواحد منهما‏.‏‏.‏‏.‏ وقال زيد‏:‏ لا أعلم لمن هي منكما، أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها، وعند الشافعية صورة شبيهة بهذه الصّورة مع فارق واحد وهو إقامة كلّ واحد من المدعيين بيّنةً على طبق دعواه، والأثر هو سقوط البيّنتين على قول، ومقابله‏:‏ استعمالهما، ففي مجيء قول الوقف الخلاف السابق، ويجيء قولا القرعة والقسمة، والتفريع كما سبق‏.‏

وتكملة فرض المسألة عند الحنابلة‏:‏ وإن أقر لهما فهي بينهما ويحلف لكلّ واحد منهما على نصفها، كما لو لم تكن لهما بيّنة، وإن قلنا‏:‏ لا تسقط البيّنتان لم يلتفت إلى إنكاره ولا اعترافه، وهذا قول القاضي‏;‏ لأنه ثبت زوال ملكه وأن يده لا حكم لها فلا حكم لقوله، فمن قال‏:‏ يقرع بينهما أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه، وهذا قول القاضي، ولم يذكر شيئاً سوى هذا، ومن قال‏:‏ تقسم بينهما قسمت وهذا ذكره أبو الخطاب‏.‏

وعند الشافعية فيها أقوالهم السابقة، بالسّقوط للبيِّنتين، أو استعمالهما، وفي حالة الاستعمال، يجيء الوقف على الأصحّ فتنزع الدار من يده والثمنان ويوقف الجميع، وإن قلنا بالقرعة فمن خرجت قرعته سلّمت إليه الدار بالثمن الذي سماه واسترد الآخر الثمن الذي أداه، وإن قلنا بالقسمة فلكلّ واحد نصف الدار بنصف الثمن الذي سماه ولهما خيار الفسخ‏.‏

بينما يتفق موقف الحنفية مع القول الأخير للشافعية في تقسيم العين بينهما مع ثبوت الخيار لكلّ منهما‏.‏

ثامناً‏:‏ إذا ادَّعى أحد الابنين وهو مسلم أن أباه مات مسلماً، وادعى الابن الآخر وهو كافر أن أباه مات كافراً، والحال أن الأب مجهول الدّين ففي المسألة تفصيل عند الفقهاء، أما أثر القرعة في هذا الخلاف فهو كما يلي‏:‏

يذهب المالكية إلى أنه إذا كان مع الولدين أخ صغير وتجردت دعواهما عن البيّنة فيحلفان على الراجح عندهم، أي يحلف كلّ أن أباه مات على دينه وينبغي التبدئة بالقرعة باليمين إذا تنازعا فيمن يحلف منهما أولاً ويوقف للصغير الثّلث‏.‏

وعند الشافعية تأتي هنا أقوالهم السابقة في الدعاوى المتعارضة فعلى قول السّقوط يسقطان، ويصير كأن لم يكن لهما بيّنة فيصدق الكافر بيمينه، وإن قلنا بالاستعمال فعلى الوقف يوقف، وعلى القرعة يقرع فمن خرجت له فله التركة، وعلى القسمة تقسم فيجعل بينهما نصفين كغير الإرث‏.‏

كما طبق الحنابلة فيها قاعدتهم السابقة، قال ابن قدامة‏:‏ قياس المذهب أن تنظر فإن كانت التركة في أيديهما قسمت بينهما نصفين، وإن لم تكن في أيديهما أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحق كما إذا تداعيا عيناً‏.‏

تاسعاً‏:‏ كما تجري القواعد السابقة عند الشافعية فيما إذا ماتت الزوجة والابن واختلف الزوج وأخو المرأة حيث قال الزوج‏:‏ ماتت الزوجة أولاً فورثتها أنا وابني ثم مات الابن فورثته، وقال الأخ‏:‏ مات الابن أولاً فورثت منه أختي، ثم ماتت فأرث منها، ففي حالة الاستعمال إن أقاما بيّنتين تعارضتا وجرت أقوال التعارض السابقة أي من الوقف والقرعة والقسمة، بينما يذهب الحنابلة في حالة التعارض في هذه أيضاً إلى تطبيق قواعدهم وهي‏:‏ هل تسقطان أو تستعملان فيقرع بينهما‏؟‏ أو يقتسمان ما اختلفا فيه‏؟‏ يخرج على الرّوايات الثلاث‏.‏

عاشراً‏:‏ كذلك تجري قواعد الشافعية فيما إذا قال المكري‏:‏ أكريتك هذا البيت شهر كذا بعشرة، فقال‏:‏ اكتريت جميع الدار بالعشرة‏.‏‏.‏‏.‏ فإن أقاما بيّنتين فقولان‏.‏ وقيل‏:‏ وجهان أحدهما خرجه ابن سريج، تقدم بيّنة المستأجر، لاشتمالها على زيادة وهي اكتراء جميع الدار، وأظهرهما وهو المنصوص‏:‏ يتعارضان فيكون على قولي التعارض، وإن قلنا بالسّقوط‏:‏ تحالفا، وإن قلنا بالاستعمال‏:‏ جازت القرعة على الصحيح، وفي اليمين معها الخلاف السابق، قال ابن سلمة‏:‏ لا يقرع‏;‏ لأن القرعة عند تساوي الجانبين، ولا تساوي لأن جانب المكري أقوى لملك الرقبة، وأما الوقف والقسمة فلا يجبان، وبنفس هذا التصوير أورد الحنابلة هذه المسألة، لكن قالوا في حالة التعارض‏:‏ فإن قلنا تساقطا فالحكم فيه كما لو لم يكن بينهما بيّنة، وإن قلنا يقرع بينهما قدمنا قول من تقع له القرعة، وهذا قول القاضي وظاهر مذهب الشافعيّ، وعلى قول أبي الخطاب تقدم بيّنة المكتري لأنها تشهد بزيادة‏.‏

لبداءة بالقرعة عند التحالف

18 - لا يحتاج إلى استخدام القرعة عند البداءة بالتحالف عند الحنفية، بل القاعدة هي‏:‏ تخيّر القاضي في البدء بتحليف أحد المدعيين حسب ما يترجح لديه من هو أقوى المدعيين إنكاراً إلا في صورتين‏:‏

الأولى في البيع‏:‏ إذا كان الاختلاف في قدر الثمن أو المثمن أو فيهما‏:‏ فيبدأ بتحليف المشتري، وقيل‏:‏ يقرع بينهما، هذا إذا كان بيع عين بدين، وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بمثمن فالقاضي مخير للاستواء‏.‏

الثانية‏:‏ إذا اختلف المؤجّر والمستأجر في المنفعة والأجرة، وادعيا معاً يحلف من شاء، وإن شاء أقرع بينهما، كما في البيع، بينما لم يشر المالكية والحنابلة إلى الحاجة إلى الاقتراع لمعرفة من يبدأ من المتحالفين باليمين، وذلك في اختلاف البائع والمشتري أو المؤجّر والمستأجر، بل يجعلان الخيار في ذلك للقاضي في بعض الصّور، وفي بعضها الآخر يبدأ بتحليف المنكر، أو الأقوى إنكاراً من المدعيين‏.‏

وعند الشافعية‏:‏ على المذهب يتخير الحاكم فيمن يبدأ به منهما، وقيل‏:‏ يقرع بينهما فيبدأ بمن خرجت القرعة له، والخلاف جميعه في الاستحباب دون الاشتراط‏.‏

استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط

19 - يتفق الحنفية والمالكية وهو المذهب عند كلّ من الشافعية والحنابلة، على عدم استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط إلى أحد مدعي نسبه‏.‏

قال الشافعية‏:‏ ولو أقاما بيّنتين متعارضتين بنسبه سقطتا في الأظهر، ويرجع إلى قول القائف، والثاني‏:‏ لا تسقطان، وترجح إحداهما الموافق لها قول القائف بقوله، فمال الاثنين واحد، وهما وجهان مفرعان على قول التساقط في التعارض في الأموال، ولا يأتي هنا ما فرّع على مقابله من أقوال‏:‏ الوقف والقسمة والقرعة، وقيل‏:‏ تأتي القرعة هنا‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ إذا ادعاه اثنان فكان لأحدهما به بيّنة فهو ابنه، وإن أقاما بيّنتين تعارضتا وسقطتا، ولا يمكن استعمالهما هاهنا‏;‏ لأن استعمالهما في المال، إما بقسمته بين المتداعيين ولا سبيل إليه هاهنا، وإما بالإقراع بينهما، والقرعة لا يثبت بها النسب، فإن قيل‏:‏ إن ثبوته هاهنا يكون بالبيّنة لا بالقرعة، وإنما القرعة مرجّحة، قلنا‏:‏ يلزم أنه إذا اشترك رجلان في وطء امرأة فأتت بولد يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة‏.‏

استعمال القرعة في إثبات أحقّية حضانة اللقيط

20 - يذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى مشروعية استعمال القرعة لإثبات أحقّية أحد المدعيين أخذ اللقيط بقصد حضانته، أو صلاحيته للحضانة إذا كان المدعي أكثر من واحد، ولم يسبق أحدهم، وكلّ منهم صالح لذلك واستويا في الصّفات‏.‏

القرعة عند تنازع أولياء الدّماء على استيفاء القصاص

21 - من قتل جمعاً مرتباً قتل بأولهم، أو معاً بأن ماتوا في وقت واحد، أو أشكل الحال بين الترتيب والمعية فبالقرعة بين القتلى، فمن خرجت قرعته قتل به وللباقين الدّيات‏.‏

وهناك فروع كثيرة في استيفاء القصاص، وفي استعمال القرعة في تمكين المستحقّ للقصاص من التنفيذ، وفي تمكين أحد الورثة المستوين من تنفيذ القصاص عند التنازع تنظر في مصطلح ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

القرعة في المسابقة

22 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى استعمال القرعة في المسابقة في بعض المواضع‏.‏ فالشافعية في مقابل الأظهر يقولون‏:‏ لا يشترط بيان البادئ بالرمي، ويقرع بينهما إن لم يبين في العقد، والأظهر اشتراط بيان البادئ بالرمي حذراً من اشتباه المصيب بالمخطئ لو رميا معاً‏.‏ ويذهب الحنابلة إلى استخدام القرعة في المسابقة في اختيار من يبدأ الرمي من المتسابقين، فإذا تشاحا أقرع بينهما وأيّهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أصاب أم أخطأ‏.‏

الحاجة إلى القرعة في التبدئة بالشّرب

23 - أشار المالكية إلى استخدام القرعة في حالة ما إذا ملك جماعة ماءً بأرض مباحة أو أرضهم المشتركة بينهم أو على حفر بئر أو عين قسم بينهم على حسب أعمالهم، فإذا تشاحّوا في التبدئة بأن طلبها كلّ منهم فالقرعة‏.‏

ويقول الشافعية‏:‏ يأخذ كلّ منهم ما يشاء أي إن اتسع وكفى الجميع وإلا قدّم عطشان ولو مسبوقًا على غيره، وآدميّ على غيره، وسابق على غيره فإن استووا أقرع لحاجة أنفسهم ثم لحاجة دوابّهم، ولا تدخل دوابّهم في قرعتهم‏.‏

كما قالوا في سقي الأرض يقدم الأقرب إلى الماء فالأقرب، وهذا إن علم تقديم الأقرب أو جهل الحال، فإن سبق الأبعد قدّم، فإن استووا وجهل الأسبق وأحيوا معاً أقرع وجوباً، وللأبعد منع من يريد إحياء موات أقرب منه خشية إثبات حقّ سبقه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن، وإن لم يمكن أقرع بينهما، فقدّم من تقع له القرعة، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقّه من الماء، ثم تركه للآخر، وليس له أن يسقي بجميع الماء لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء، وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ لا في أصل الحقّ، بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حقّ إلا فيما فضل عن الأعلى‏.‏

قَرْقَرَة

التعريف

1 - القَرْقَرَة في اللّغة‏:‏ الضحك العالي‏.‏

والقرقرة‏:‏ رغاء البعير، وقَرْقَر بطنه‏:‏ صوَّت، وقَرْقَر الشراب في حلقه‏:‏ صوَّت‏.‏

والقرقرة اصطلاحاً‏:‏ حبس الرّيح، ذكره المالكية بهذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحاقب والحاقن والحازق والحافز‏:‏

2 - الحاقن‏:‏ مُدافع البول، والحاقب‏:‏ مُدافع الغائط، والحازق‏:‏ قال ابن عابدين‏:‏ مُدافع البول والغائط، وقيل‏:‏ مُدافع الرّيح‏.‏

وقال القليوبيّ‏:‏ الحازق الذي ضاق خفّه، والحافز‏:‏ مدافع الرّيح‏.‏

وذكر النوويّ في تفسيرهما عكس ذلك قال القليوبيّ‏:‏ ولا مانع منه لأنه حجة‏.‏

والعلاقة بينها وبين القرقرة حبس ما ينقض الوضوء في كلّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - انفرد المالكية بالقول أن القرقرة - حبس الرّيح - إن كانت تمنع من الإتيان بشيء من الصلاة حقيقةً أو حكماً - كما لو كان يقدر على الإيتان به بعسر - فإنها تبطل الوضوء‏.‏

فمن حصره ريح وكان يعلم أنه لا يقدر على الإتيان بشيء من أركان الصلاة أصلاً، أو يأتي به مع عسر كان وضوءه باطلاً، فليس له أن يفعل به ما يتوقف على الطهارة كمسّ المصحف، أما إذا كانت القرقرة لا تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة فإنها لا تبطل الوضوء‏.‏

وذهب بعض المالكية إلى أن القرقرة الشديدة تنقض الوضوء ولو لم تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة، والراجح الأول‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم نقض الوضوء بحبس الرّيح، وصرحوا بكراهة الصلاة معها‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏حاقن ف /5 - 6‏)‏‏.‏

قَرْن

التعريف

1 - القرْن في اللّغة - بالسّكون - من الشاة والبقرة معروف، وجمعه قرون، مثل فلس وفلوس، والقرن أيضاً‏:‏ الذّؤابة، والجيل من الناس، ويطلق على وقت من الزمان‏.‏

وقرْن أيضاً ميقات أهل نجد، وهو جبل مشرف على عرفات، ويقال له‏:‏ قرن المنازل، وقرن الثعالب‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن هذه المعاني اللّغوية‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقرن

أولاً‏:‏ قرن بمعنى الميقات

2 - قَرْن - بفتح القاف وإسكان الراء - ميقات المتوجّهين من نجد إلى الحجّ، وهو من المواقيت التي أجمع أهل العلم عليها، ويقال لها قرن المنازل وقرن الثعالب، وقال ابن جماعة‏:‏ يقال له‏:‏ قرن غير مضاف، وسماه في رواية للشافعيّ في المسند قرن المعادن‏.‏

وللتفصيل ‏(‏ر‏:‏ إحرام ف /40‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ القرن من الحيوان

التضحية بما لا قرن له من غنم أو بقر

3 - يرى الحنفية والمالكية والحنابلة - عدا ابن حامد - أنه يجزئ الجَمَّاء - وهي التي لا قرن لها خلقةً - في الأضحية والهدي‏.‏

وأجاز الشافعية التضحية بالجماء مع الكراهة‏.‏

وقال ابن حامد‏:‏ لا تجوز التضحية بالجماء لأن ذهاب أكثر من نصف القرن يمنع، فذهاب الجميع أولى‏;‏ ولأن ما منع منه العور منع منه العمى، وكذلك ما منع منه العضب يمنع منه كونُه أجم أولى‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏جماء ف /3‏)‏‏.‏

التضحية بمكسورة القرن

4 - يرى الحنفية أن مكسورة القرن تجزئ ما لم يبلغ الكسر المشاش، فإذا بلغ الكسر المشاش فإنها لا تجزئ، والمشاش رءوس العظام مثل الرّكبتين‏.‏

وذهب المالكية إلى أنه يجزئ في الهدايا والضحايا المكسورة القرن إلا أن يكون يدمي فلا يجوز لأنه مرض‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ تجزئ التي انكسر قرنها مع الكراهة، سواء أدمى قرنها بالانكسار أم لا‏؟‏ قال القفال‏:‏ إلا أن يؤثّر ألم الانكسار في اللحم فيكون كالجرب‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنه لا تجزئ العضباء - وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها - لحديث عليّ رضي الله عنه قال‏:‏ «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن» قال قتادة‏:‏ فذكرت ذلك لسعيد بن المسيِّب فقال‏:‏ العضب النّصف أو أكثر من ذلك، وقال أحمد‏:‏ العضباء ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها، نقله حنبل لأن الأكثر كالكلّ‏.‏

ثالثاً‏:‏ القرن بمعنى الجيل من الناس، ووقت من الزمان

خير القرون

5 - اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران - راوي الحديث -‏:‏ فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً، «ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن»، وفي رواية‏:‏ «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم‏.‏‏.‏‏.‏»، قال ابن حجر‏:‏ والمراد بقرن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة‏.‏

قال النوويّ‏:‏ إن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعةً فهو من أصحابه، ورواية «خير الناس» على عمومها والمراد منه جملة القرن، ولا يلزم منه تفضيل الصحابيّ على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا أفراد النّساء على مريم وآسية وغيرهما، بل المراد جملة القرن بالنّسبة إلى كلّ قرن بجملته‏.‏

قال القاضي‏:‏ واختلفوا في المراد بالقرن هنا فقال المغيرة‏:‏ قرنه أصحابه، والذين يلونهم أبناؤهم، والثالث أبناء أبنائهم، وقال شهر‏:‏ قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني ما بقيت عين رأت من رآه ثم كذلك، وقال غير واحد‏:‏ القرن كلّ أهل طبقة مقترنين في وقت، وقيل‏:‏ هو لأهل مدة بعث فيها نبيّ طالت مدته أم قصرت‏.‏

وذكر الحربيّ الخلاف في قدره بالسّنين إلى مائة وعشرين، ثم قال‏:‏ وليس منه شيء واضح، ورأى أن القرن كلّ أمة هلكت فلم يبق منها أحد‏.‏

وقال الحسن وغيره‏:‏ القرن عشر سنين، وقتادة‏:‏ سبعون، والنخعيّ‏:‏ أربعون، وزرارة بن أبي أوفى‏:‏ مائة وعشرون، وعبد الملك بن عمير‏:‏ مائة، وقال ابن الأعرابيّ‏:‏ هو الوقت‏.‏ قال النوويّ‏:‏ والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم‏.‏

قَرَن

التعريف

1 - القَرَن‏:‏ - بفتح الراء - مصدر، يقال‏:‏ قرنت الجارية قَرَناً إذا كان في فرجها قَرْن - بالسّكون - أي إذا كان في فرجها شيء يمنع من الوطء، ويقال له‏:‏ العفلة‏.‏

وقيل‏:‏ هو كالنّتوء في الرحم، يكون في الناس والشاء والبقر‏.‏

والقَرْناء‏:‏ العَفْلاء‏.‏

وفي التهذيب‏:‏ القَرْناء من النّساء التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غُدّة غليظة أو لحمة مُرْتَتِقة أو عظم، يقال لذلك كلّه‏:‏ القَرَن‏.‏

وللقَرَن أيضاً معان كثيرة في اللّغة‏.‏

والقَرْن - بالسّكون -‏:‏ أيضاً موضع وهو ميقات أهل نجد‏.‏

ويطلق القَرْن على القطعة من الزمن‏.‏

والمراد بالقَرَن هنا في الاصطلاح أحد عيوب المرأة في النّكاح‏.‏

قال الحنفية والمالكية‏:‏ هو لحم ينبت في مدخل الذكر من فرج المرأة‏.‏

قال الحنفية‏:‏ كالغدة، وقال المالكية‏:‏ يشبه قرن الشاة‏.‏

وصرحوا بأنه قد يكون عظماً‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ هو انسداد محلّ الجماع بعظم‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ هو لحم يحدث في الفرج يسدّه، وهو قول القاضي وظاهر الخرقيّ، وقيل‏:‏ القرن‏:‏ عظم أو غدّة تمنع ولوج الذكر، قاله صاحب المطلع والزركشيّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الرتق‏:‏

2 - الرتق في اللّغة‏:‏ ضدّ الفتق، والرتق‏:‏ إلحام الفتق وإصلاحه، يقال رتقه يرتقه رتقاً فارتتق أي التأم‏.‏

والرَّتَقُ - بالتحريك - مصدر قولك رتقت المرأة رتقاً، وهي رتقاء بيّنة الرتق‏:‏ التصق ختانها فلم تُنل لارتتاق ذلك الموضع منها، فهي لا يستطاع جماعها‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو انسداد محلّ الجماع باللحم بحيث لا يمكن معه الجماع‏.‏

والصّلة بين القرن والرتق أن كليهما من عيوب المرأة في النّكاح‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى اعتبار القرن من العيوب التي يثبت بها الخيار، فللزوج الخيار في فسخ النّكاح أو إمضائه إذا وجد زوجته قرناء حال العقد ولم يعلم بها، وذلك لفوات المقصود الأصليّ من النّكاح وهو الوطء‏.‏

وذهب الحنفية إلى أنه ليس للزوج خيار فسخ النّكاح بعيب القرن في الزوجة، وهو قول عطاء والنخعيّ وعمر بن عبد العزيز وأبي زياد وأبي قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعيّ والثوريّ وعليّ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم‏.‏

وذلك أن فوت الاستيفاء أصلاً بالموت لا يوجب الفسخ فاختلاله بهذه العيوب أولى، وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات - وفوت الثمرة لا يؤثّر في العقد - والمستحقّ هو التمكّن وهو حاصل‏.‏

نفقة الزوجة القرناء

4 - تجب النفقة للزوجة القرناء على زوجها‏;‏ لأن المعتبر في إيجاب النفقة الاحتباس لانتفاع مقصودٍ من وطءٍ أو من دواعيه‏.‏

وجوب القسمة للقرناء

5 - تجب القسمة للقرناء، كما تجب لكلّ من قام بها عذر شرعيّ أو طبعيّ، لأن المقصود الأنس لا الاستمتاع‏.‏

إجبار الزوجة القرناء على المداواة

6 - لا تجبر القرناء على شقّ الموضع، فإن فعلته وأمكن الوطء فلا خيار للزوج، وهذا عند المالكية والشافعية، وقال الحنفية‏:‏ للزوج شقّ موضع الانسداد من زوجته وتجبر عليه إن رفضت‏;‏ لأن التسليم الواجب عليها لا يمكنه بدونه‏.‏

الإيلاء من الزوجة القرناء

7 - اختلف الفقهاء في صحة إيلاء الزوج من زوجته القرناء‏.‏

فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يصحّ الإيلاء من القرناء والرتقاء، قالوا‏:‏ لأنه لا يتحقق الغرض من الإيلاء من قصد إيذاء الزوجة بالامتناع من وطئها‏;‏ لامتناعه في نفسه، وقال الحنفية‏:‏ يصحّ الإيلاء من القرناء والرتقاء لعموم آية ‏{‏لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ‏}‏ الآية، ويكون فيؤه بالقول كأن يقول‏:‏ فئت إليها‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏إيلاء‏)‏‏.‏

قرن المنازل

انظر‏:‏ قرن‏.‏

قرين

انظر‏:‏ جنّ‏.‏

قرينة

التعريف

1 - القرينة لغةً‏:‏ مأخوذة من قرن الشيء بالشيء، أي شده إليه ووصله به، كجمع البعيرين في حبل واحد، وكالقرن بين الحجّ والعمرة، أو كالجمع بين التمرتين أو اللّقمتين عند الأكل، وتأتي المقارنة بمعنى المرافقة والمصاحبة، ومنه ما يطلق على الزوجة قرينة، وعلى الزوج قرين‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ما يدلّ على المراد من غير كونه صريحاً‏.‏

مشروعية القرينة

2 - القرينة مشروعة في الجملة لما ورد في قوله تعالى في سورة يوسف ‏{‏وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ في تفسيره‏:‏ إنهم لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة صدقهم، قرن الله بهذه العلامة علامةً تعارضها، وهي سلامة القميص من التمزيق، إذ لا يمكن افتراس الذّئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص، فاستدل العلماء بهذه الآية على إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه‏.‏

كما استدلّوا بقوله تعالى ‏{‏وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ‏}‏، على جواز إثبات الحكم بالعلامة، إذ أثبتوا بذلك كذب امرأة العزيز فيما نسبته ليوسف عليه الصلاة والسلام‏.‏

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها»، فجعل صماتها قرينةً دالةً على الرّضا، وتجوز الشهادة عليها بأنها رضيت، وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن‏.‏

كما سار على ذلك الخلفاء الراشدون والصحابة في القضايا التي عرضت، ومن ذلك ما حكم به عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعثمان، رضي الله عنهم - ولا يعلم لهم مخالف - بوجوب الحدّ على من وجدت فيه رائحة الخمر، أو قاءها، وذلك اعتماداً على القرينة الظاهرة، وهو مذهب مالك رحمه الله، ومنه ما قضى به عمر رضي الله عنه برجم المرأة إذا ظهر لها حمل ولا زوج لها، وقد قال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتماداً على القرينة الظاهرة‏.‏

ويدلّ على ذلك قوله تعالى ‏{‏فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ‏}‏‏.‏

القرائن القاطعة وغير القاطعة

3 - إن من القرائن ما يقوى حتى يفيد القطع، ومنها ما يضعف، ويمثّلون لحالة القطع بمشاهدة شخص خارج من دار خالية خائفاً مدهوشاً في يده سكّين ملوثة بالدم، فلما وقع الدّخول للدار رئي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت يتشخط في دمائه، فلا يشتبه هنا في كون ذلك الشخص هو القاتل، لوجود هذه القرينة القاطعة‏.‏

وأما القرينة غير قطعية الدلالة ولكنها ظنّية أغلبية، ومنها القرائن العرفية أو المستنبطة من وقائع الدعوى وتصرّفات الخصوم، فهي دليل أوليّ مرجّح لزعم أحد المتخاصمين مع يمينه متى اقتنع بها القاضي ولم يثبت خلافها‏.‏

والمقصود أن الشريعة لا تردّ حقّاً ولا تكذّب دليلاً ولا تبطل أمارةً صحيحةً، هذا وقد درجت مجلة الأحكام العدلية على اعتبار القرينة القاطعة أحد أسباب الحكم في المادة ‏(‏1740‏)‏ وعرفتها بأنها الأمارة البالغة حد اليقين وذلك في المادة ‏(‏1741‏)‏‏.‏

الأخذ بالقرائن

4 - قال ابن فرحون رحمه الله في تبصرته ناقلاً عن الإمام ابن العربيّ الفقيه المالكيّ قوله‏:‏ على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها مضى بجانب الترجيح، وهو قوة التّهمة، ولا خلاف في الحكم بها، وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها المذاهب الأربعة، وبعضها قال به المالكية خاصةً‏.‏

على أن ضبط كلّ الصّور التي تعمل فيها القرينة أمر مستبعد، إذ أن الوقائع غير محدودة، والقضايا متنوّعة، فيستخلصها القاضي بفهمه وذكائه، وإنما ذكر العلماء جانباً من الصّور للاستنارة بها، وللتدليل على اعتبار العلماء بالقرائن التي تولدت عنها، وهذا البعض منها‏:‏ الأولى‏:‏ أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل المرأة إذا أهديت إليه ليلة الزّفاف، وإن لم يشهد عنده عدلان أن هذه فلانة بنت فلان التي عقد عليها، وإن لم يستنطق النّساء أن هذه امرأته التي عقد عليها، اعتماداً على القرينة الظاهرة، المنزلة منزلة الشهادة‏.‏

الثانية‏:‏ اعتماد الناس قديماً وحديثاً على الصّبيان والإماء المرسلة معهم الهدايا إليهم، فيقبلون أقوالهم، ويأكلون الطعام المرسل به‏.‏

الثالثة‏:‏ أنهم يعتبرون إذن الصّبيان في الدّخول للمنزل‏.‏

الرابعة‏:‏ جواز أخذ ما يسقط من الإنسان إذا لم يعرف صاحبه، وما لا يتبعه الإنسان نفسه لحقارته، كالتمرة والفلس، وكجواز أخذ ما بقي في الحوائط من الثّمار والحبّ بعد انتقال أهله منه وتخليته وتسييبه، كجواز أخذ ما يسقط من الحبّ عند الحصاد مما لا يعتني صاحب الزرع بلقطه، وكأخذ ما ينبذه الناس رغبةً عنه من الطعام والخرق وغير ذلك من المحقرات‏.‏

الخامسة‏:‏ الشّرب من المصانع الموضوعة على الطرقات وإن لم يعلم الشارب إذن أربابها في ذلك لفظاً، اعتماداً على دلالة الحال‏.‏

السادسة‏:‏ قولهم في الرّكاز‏:‏ إذا كان عليه علامة المسلمين أنه كنز، ويأخذ حكم اللّقطة، وإن كانت عليه علامات الكفر كالصليب ونحوه، فإنه ركاز‏.‏

السابعة‏:‏ أنه يجوز للوكيل على بيع السّلعة قبض ثمنها، وإن لم يأذن له الموكّل في ذلك لفظاً، اعتماداً على قرينة الحال‏.‏

الثامنة‏:‏ القضاء بالنّكول واعتباره في الأحكام، وليس ذلك إلا رجوعاً إلى مجرد القرينة الظاهرة، فقدّمت على أصل براءة الذّمة‏.‏

التاسعة‏:‏ جواز دفع اللّقطة لواصف عفاصها ووكائها‏.‏

العاشرة‏:‏ النظر في أمر الخنثى، والاعتماد فيه على الأمارات والقرائن الدالة على إحدى حالتيه، الذّكورة أو الأنوثة‏.‏

الحادية عشرة‏:‏ معرفة رضا البكر بالزوج بصماتها‏.‏

الثانية عشرة‏:‏ إذا أرخى السّتر على الزوجة وخلا بها، قال أصحابنا‏:‏ إذا طلقها وقال إنه لم يمسها وادعت هي الوطء صدّقت، وكان لها الصداق كاملاً‏.‏

ومن هذا العرض يبدو اتّفاق المالكية والحنابلة على العمل بقرائن الأحوال بصفة مطلقة بدون قيود ولا حدود، ومصادر مذهبيهم تشهد بذلك‏.‏

وأما الحنفية والشافعية فقد عملوا بالقرائن في حدود ضيّقة، ويعتدّون بالقرينة الحسّية والحالية، وبالقرينة القاطعة فقد ذكر العلامة ابن نجيم عند إحصائه للحجج التي يعتمدها القاضي، فقال‏:‏ إن الحجة بيّنة عادلة، أو إقرار، أو نكول عن يمين، أو يمين، أو قسامة، أو علم القاضي بعد تولّيه، أو قرينة قاطعة، وقال‏:‏ وقد أوضحنا ذلك في الشرح من الدعوى‏.‏

وذكر أنه لا يقضى بالقرينة إلا في مسائل ذكرها في الشرح في باب التحالف‏.‏

وقد نص المزنيّ في كتابه على أنه لا يجوز الحكم بالظّنون، بعد ذكر النّزاع بين الزوجين على متاع البيت، وتنازع عطار ودباغ، وأنه لو صح استعمال الظّنون لقضي بالعطر للعطار، والدّباغ للدباغ‏.‏

هذا وقد ذكر الإمام الجصاص صوراً كثيرةً عملوا في بعضها بالقرائن، كالاختلاف في متاع البيت بين الزوجين فيما للنّساء فهو للزوجة، وما للرّجال فهو للزوج، فحكموا بظاهر هيئة المتاع‏.‏

ومما يؤخذ من كتبهم أنهم يعملون القرائن - إن اعتبروها عاملةً - في خصوص حقوق العباد، ولا يعملونها في القصاص والحدود، فاعتبروا مثلاً سكوت البكر أو صمتها قرينةً على الرّضا، وقبض الهبة والصدقة بحضرة المالك مع سكوته إذناً بالقبض، ووضع اليد والتصرّف قرينةً على ثبوت الملكية، وقبول التهنئة في ولادة المولود أيام التهنئة المعتادة قرينةً على ثبوت النسب منه، واعتبروا علامة الكنز، وقالوا إن كانت دالةً على الإسلام كانت لقطةً، وإن كانت دالةً على الكفر ففيها الخمس‏.‏

وقد ذكر ابن عابدين الابن تعليقاً على رسالة والده المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف فقال‏:‏ للمفتي الآن أن يفتي على عرف أهل زمانه وإن خالف زمان المتقدّمين‏.‏

قرية

التعريف

1 - القرية في اللّغة‏:‏ كلّ مكان اتصلت به الأبنية واتّخذ قراراً‏.‏

وتطلق القرية على المدن وغيرها، والقريتان المذكورتان في قوله تعالى ‏{‏وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ هما مكة المكرمة شرفها الله والطائف، كما تطلق على المساكن والأبنية والضّياع‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عرفها القليوبيّ من الشافعية بأنها العمارة المجتمعة التي ليس فيها حاكم شرعيّ ولا شرطيّ ولا أسواق للمعاملة‏.‏

وعرفها الكاسانيّ من الحنفية بأنها البلدة العظيمة إلا أنها دون المصر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المصر‏:‏

2 - المصر في اللّغة‏:‏ اسم لكلّ بلد محصور أي محدود تقام فيها الدّور والأسواق والمدارس وغيرها من المرافق العامة، ويقسم فيها الفيء والصدقات‏.‏

واختلفوا في معناها الاصطلاحيّ، فعن أبي حنيفة رحمه الله‏:‏ أن المصر بلدة كبيرة فيها سكّ وأسواق، ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره، والناس يرجعون في الحوادث إليه‏.‏

قال الكرخيّ‏:‏ إن المصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود ونفّذت فيه الأحكام‏.‏

وقال القليوبيّ‏:‏ المصر العمارة المجتمعة الذي فيه حاكم شرعيّ وشرطيّ وأسواق للمعاملات‏.‏ والمصر أعظم من القرية‏.‏

ب - البلد‏:‏

3 - البلد في اللّغة‏:‏ اسم للمكان المختطّ المحدود المتأنس باجتماع قطانه وإقامتهم فيه، ويستوطن فيه جماعات ويسمى المكان الواسع من الأرض بلداً‏.‏

والبلد أكبر من القرية‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقرية

أ - في صلاة الجمعة‏:‏

4 - اختلف الفقهاء في حكم وجوب الجمعة على أهل القرى فذهب الحنفية إلى أنه لا تجب الجمعة على أهل القرى التي ليست من توابع المصر، ولا يصحّ أداء الجمعة فيها لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع»، ولما روي عن عليّ رضي الله عنه‏:‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الجمعة في المدينة وما روي عنه أنه أقامها في القرى التي حولها، وكذا الصحابة رضي الله عنهم فتحوا البلاد وما نصبوا المنابر إلا في الأمصار، ولأن الظّهر فريضة فلا يترك إلا بنصّ قاطع والنصّ ورد بترك الجمعة إلا في الأمصار ولهذا لا تؤدى الجمعة في البراريّ‏;‏ ولأن الجمعة من أعظم الشعائر فتختصّ بمكان إظهار الشعائر وهو المصر‏.‏

وذهب المالكية إلى وجوب الجمعة على أهل القرية بشرط أن يوجد فيها عدد تتقرى بهم القرية من أهل الجمعة، يمكنهم الإقامة آمنين مستغنين عن غيرهم في الدّفاع عن أنفسهم وعن قريتهم، ولم يحدّدوا ذلك بعدد معين بل قالوا‏:‏ إن ذلك العدد يختلف بالنّسبة إلى الجهات والأوطان في كثرة الأمن والخوف، ففي الجهات الآمنة تتقرى القرية بالنفر اليسير بخلاف غيرها مما يتوقع فيه الخوف، إلا أنهم اتفقوا في المذهب على أنها لا تجب على الثلاثة والأربعة وعلى أنها تنعقد بما دون الأربعين، قال المواق بعدما استعرض أقوال علماء المالكية في عدد الذين تتقرى بهم القرية‏:‏ وقد حصل من هذا صحة ما صدرت منّي بها فتيا وهي‏:‏ أن من شرط إقامة الجمعة أن تكون القرية بها ثلاثون رجلاً فإن حضروا فبها ونعمت، وإلا صلوا ظهراً فإن صلوا جمعةً أجزأتهم، إن كانوا اثني عشر رجلاً فأكثر، فأجزت الصلاة مراعاةً لقول ابن العربيّ وغيره - في هذا المجال -‏.‏

وذهب الشافعية إلى أن أهل القرية إن كان فيهم جمع تصحّ به الجمعة وجبت عليهم الجمعة لأن القرية في هذه الحالة كالمدينة، وكذا إن بلغهم صوت من مؤذّن يؤذّن في البلدة المجاورة بصورة عادية في الأوقات الهادئة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الجمعة على من سمع النّداء»‏.‏

ولو سمع أهل القرية النّداء من بلدين مجاورين فعليهم حضور الأكثر جماعةً فإن استويا فمراعاة الأقرب أولى كنظيره في الجماعة،وقيل‏:‏ الأولى مراعاة الأبعد لكثرة الأجر بسبب المشي الزائد‏.‏ أما إذا لم يوجد في القرية الجمع المذكور ولم يبلغهم نداء الأذان من بلد مجاور فلا جمعة عليهم، قالوا‏:‏ حتى لو كانت قريتان أو قرىً متقاربة يبلغ بعضها نداء بعض، وكلّ واحدة منها ينقص أهلها عن أربعين لم تجب الجمعة عليهم ولم تصح منهم باجتماعهم في إحدى قراهم‏;‏ لأنهم غير متوطّنين في محلّ الجمعة‏.‏

أما الحنابلة فذهبوا إلى أن أهل القرية لا يخلون من حالين‏:‏ إما أن يكون بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ أو لا‏؟‏ فإن كان بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعي إلى المصر، وحالهم معتبر بأنفسهم فإن كانوا أربعين واجتمعت فيهم شرائط الجمعة، فعليهم إقامة الجمعة وهم مخيرون بين السعي إلى المصر وبين إقامتها في قريتهم، والأفضل إقامتها في قريتهم لأنه إذا سعى بعضهم أخل على الباقين الجمعة، وإذا أقاموها في قريتهم حضرها جميعهم‏;‏ ولأن إقامتها بموضعهم تكثير لجماعات المسلمين‏.‏

وإن كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعي إليها وبين أن يصلّوا ظهراً، والأفضل السعي إليها لينالوا فضل الساعي إلى الجمعة ويخرجوا من الخلاف‏.‏

والحال الثاني‏:‏ أن يكون بين قريتهم وبين المصر فرسخ فما دون فينظر فيهم فإن كانوا أقل من أربعين - من أهل الجمعة - فعليهم السعي إلى الجمعة لقوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ الآية‏.‏

وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم وكان موضع الجمعة القريب منهم قريةً أخرى لم يلزمهم السعي إليها وصلوا في مكانهم إذ ليست إحدى القريتين بأولى من الأخرى، وإن أحبّوا السعي إليها جاز ولكن الأفضل أن يصلّوا في مكانهم، فإن سعى بعضهم فنقص عدد الباقين لزمهم السعي لئلا يؤدّي ذلك إلى ترك الجمعة‏.‏

وإن كان موضع الجمعة القريب مصراً فهم مخيرون أيضاً بين السعي إلى المصر وبين إقامة الجمعة في قريتهم‏.‏

وعن أحمد أن السعي إلى المصر يلزمهم إلا أن يكون لهم عذر فيصلّوا جمعةً في قريتهم، والأول أصحّ لأن أهل القرى يقيمون الجمع في بلاد الإسلام وإن كانوا قريبين من المصر من غير نكير‏.‏

وإذا كان أهل المصر دون الأربعين فجاءهم أهل القرية فأقاموا الجمعة في المصر لم يصح‏;‏ لأن أهل القرية غير مستوطنين في المصر وأهل المصر لا تنعقد بهم الجمعة لقلتهم‏.‏

وإن كان أهل القرية ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم لزم أهل المصر السعي إليهم، إذا كان بينهم أقلّ من فرسخ كما يلزم أهل القرية السعي إلى المصر إذا أقيمت به، وكان أهل القرية أقل من أربعين‏.‏

أما إن كان في كلّ واحد من المصر والقرية دون الأربعين لم تجز إقامة الجمعة في واحد منهما‏.‏

ب - في السفر‏:‏

5 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ إن من سافر من قرية لها سور فأول سفره الذي يجوز له الأخذ برخص السفر - من قصر للصلاة الرّباعية وجمع بين الصلوات وغير ذلك - هو مجاوزة سورها المختصّ بها وإن تعدد السّور أو كان في داخله مزارع وبساتين وخراب‏;‏ لأن ما في داخل السّور معدود من نفس القرية محسوب من موضع الإقامة، ومثل السّور الخندق، أو الحاجز التّرابيّ الذي يحوطه أهل القرى بقراهم فإن لم يكن للقرية سور أو نحوه أو لها سور غير خاصّ بها، كأن جمع معها قريةً أخرى أو أكثر ولو مع التقارب، فأول سفره مجاوزة العمران بأن يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره‏;‏ لأن الضرب في الأرض المذكور في قوله تعالى ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ‏}‏ الآية، يتحقق بذلك‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها‏.‏

قال الشافعية‏:‏ ولا يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المتصلة بالقرية لأنها ليست من القرية، ولأنها لا تتخذ للإقامة عادةً‏.‏

وقال المالكية‏:‏ يشترط مجاوزة البساتين المسكونة المتصلة أو ما في حكمها كالبساتين التي يرتفق أهلها بالمرافق المتصلة من أخذ نار وطبخ وخبز وما يحتاج إلى شرائه، وأما المزارع والبساتين المنفصلة حقيقةً حكماً فلا يشترط مجاوزتها‏.‏

والقريتان المتصلتان - قال المالكية‏:‏ ومثلهما المتقاربتان بحيث يرتفق أهل كلّ واحد منهما بأهل الأخرى - يشترط مجاوزتهما لأنهما في حكم القرية الواحدة‏.‏

وأما المنفصلتان - قال الشافعية‏:‏ ولو كان الانفصال يسيراً - فلا يشترط تجاوزهما بل يكفي لتحقّق سفره مجاوزة قريته فقط، قال المالكية‏:‏ ومثل المنفصلتين المتعاديتان بحيث لا يرتفق أهل إحداهما بالأخرى بسبب العداوة التي بينهما فلا يشترط مجاوزتهما‏.‏

وينتهي سفر المسافر إذا رجع إلى قريته ببلوغه ما اشترط مجاوزته ابتداءً‏.‏

قَزَع

التعريف

1 - من معاني القَزَع - بفتح القاف والزاي - في اللّغة‏:‏ قطع من السحاب رقيقة واحدها قزعة، وصغار الإبل، وأن يحلق الرأس ويترك شعر متفرّق في مواضع فذلك الشعر قزع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال ابن عابدين‏:‏ القزع‏:‏ هو أن يحلق بعض الرأس ويترك البعض قطعاً مقدار ثلاثة أصابع كذا في الغرائب‏.‏

وقال النوويّ‏:‏ القزع حلق بعض الرأس مطلقاً، منهم من قال‏:‏ هو حلق مواضع متفرّقة منه‏.‏

الحكم التكليفيّ

2 - اتفق الفقهاء على كراهة القزع‏;‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن القزع وقال‏:‏ احلقوه كله أو اتركوه كله»‏.‏

واختلف في علة النهي فقيل‏:‏ لكونه يشوّه الخلقة، وقيل‏:‏ لأنه زيّ الشيطان، وقيل لأنه زيّ اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود، وقيل زيّ أهل الشرّ والدعارة‏.‏

قال النوويّ‏:‏ أجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرّقة إلا للمداواة أو نحوها، وهي كراهة تنزيه ولا فرق بين الرجل والمرأة، وكرهه مالك في الجارية والغلام، وقيل في رواية لهم‏:‏ لا بأس به في القصة، والقفا للغلام والجارية قال‏:‏ ومذهبنا كراهته مطلقاً‏.‏

والقُصّة بضمّ القاف وتشديد الصاد المهملة‏:‏ شعر الصّدغين‏.‏

قَسامة

التعريف

1 - من معاني القسامة في اللّغة‏:‏ الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادَّعوا الدم‏.‏

ومن معانيها الهدنة‏:‏ تكون بين العدوّ والمسلمين‏.‏

ومن معانيها‏:‏ الحسن‏.‏

والقسامة في الاصطلاح عند الحنفية‏:‏ هي أن يقول خمسون من أهل المحلة إذا وجد قتيل فيها‏:‏ بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً‏.‏

وقال المالكية - كما ذكر ابن عرفة - إن القسامة هي حلف خمسين يميناً أو جزءاً منها على إثبات الدم‏.‏

وهي عند الشافعية‏:‏ اسم للأيمان التي تقسم على أولياء الدم‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ هي الأيمان المكررة في دعوى القتيل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اليمين‏:‏

2 - من معاني اليمين لغةً‏:‏ القوة، والقسم، والبركة‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ توكيد حكم بذكر معظم على وجه مخصوص‏.‏

والصّلة بين اليمين وبين القسامة‏:‏ أن اليمين أعمّ‏.‏

ب - اللوث‏:‏

3 - اللوث قرينة تثير الظن وتوقع في القلب صدق المدعي‏.‏

والصّلة بين اللوث وبين القسامة أن اللوث شرط في القسامة‏.‏